Sunday, June 27, 2010

متون وشروح: نظرة إلى فيلم دبابيس رسم


رنين الهاتف هو مايبدأ معه النص وهو الذى به ينتهى..وهو الذى يعيد الفتى لتذكر لحظاته الماضية..تلك اللحظات التى شكلت واقعا متصلا كئيبا (كعويل الهاتف) والذى جعلت الفتى يحاول الهروب إلى عالم موازى صنعه بنفسه ورسم خطوطه كما يراه بل وأكثر من ذلك: يحاول أن يجعل له وجودا حقيقيا مثبتا إلى حائط الوجود بدبابيس رسم

حين تستنفذ الدبابيس يسيطر على الفتى هاجس انتصار الواقع, وهذا الذى يدفعه دفعا إلى النزول لشراء دبابيس جديدة فى ترميز واضح لمحاولة استمرار وجود عالم الحلم الذى يصنعه لنفسه

وحين يلقى فتاة المكتبة المسحوقة بقطار الواقع بدورها, والتى تمثل للفتى, بشكل أو بأخر, بوابة العالم الموازى (باعتبارها التى تبيع الدبابيس ,بل الأقلام ولوحات الرسم) ينتقل معها الفتى إلى عالم افتراضى .. يشكو لها مرار الواقع وقسوته, بل ويحاول استخدامها لاشباع شهواته الجنسية ... كل هذا على الرغم من فقرها وانسحاقها..ولكنها مثلت للفتى, بشكل ما, وسيلة لنقل عالمه الافتراضى إلى أرض الواقع

لا يقتصر ترميز الدبابيس من مجرد وسيلة مكتبية لخلق عالم موازى (تعليق أو تثبيت اللوحات إلى الحائط) , بل من ناحية أخرى, يراها الفتى ترمز بشكل ما إلى منغصات الواقع وأشواكه ... "كل حاجة فيها دبابيس" ... فتقدر على القول هنا إن ما يعذب الفتى فى الواقع, هو هو ذاته ما يستخدمه للتمرد على ذات الواقع ... وهذا ما تجلى فى مشهد نزع "الدبابيس" من شعر الفتاة حين قال لها
"تصدقى كدة بقيتى أحلى؟"
وإذ بنا نجد (فى تلويح ساذج بعض الشىء) إن دبابيس الشعر هى ذاتها دبابيس الرسم التى يشكو ,وفى نفس الوقت يبحث, عنها الفتى باعتبارها عذابه ونقمته ومبتغاه وحلمه فى ذات الوقت

تلك هى ببساطة أجواء فيلم "دبابيس رسم" الذى كتبته وأخرجته فى فترة أستطيع القول انها كانت حرجة نوعا ما (أغسطس 2006) وهى ذات الفترة التى كنت فيها مجندا فى الجيش عقب تخرجى ... أود الاعتراف أن ربما كان الغموض وادعاء العمق فى الفيلم هو ماتسبب فى نفور كثير من الناس من الفيلم ولهذا فكرت فى الكتابة عنه فى محاولة لفك ألغازه والتى أعترف تسببت فيها بسبب قلة الخبرة ومحاولة استعراض عضلات لا وجود لها
...

يمكن مشاهدة الفيلم على هذه الوصلة
http://www.youtube.com/watch?v=PQZKtDhT7Do

Sunday, June 6, 2010

بداية الفصل الحادى عشر من كتاب مدار الحكماء

هو الحكيم .. العليم .. ذو الرأى السليم ..لم يترنح ولم يكن للفهم عقيم .. مستقيم .. يرى النور وإن احتشدت الغيوم .. بالانسان مهموم .. لم يدع كمال الحكمة ولم يكن من المتكبرين .. فاسمعوا له لعلكم منه وبه تنجون..

ذات يوم مشمس كان يجلس الحكيم مع تلميذه الأثير تحت شجرة البرتقال المظللة يتسامران حين باغته التلميذ بسؤال:

-"كم عمرك أيها الحكيم الصالح؟"

صمت الحكيم ثم ابتسم ابتسامته المحبوبة وقال:

-"أى ولدى, انما يحسب عمر الانسان باللحظات التى استطاع فيها النجاة بنفسه من براثن نفسه, ويحسب أيضا باللحيظات التى انجلت فيها روحه وتجلت"

صمت التلميذ الذكى متفكرا ثم سأل:

"وبهذه الحسبة أيها الحكيم الصالح, كم يكون عمرك؟"

ضحك الحكيم ضحكته النادرة وقال:

-"بهذه الحسبة أى ولدى أكون مازلت مراهقا يخطو أولى خطواته نحو البلوغ"

Friday, June 4, 2010

مدار

فى البدء كان الحلم

يعنى ايه حلم؟

فى كتابات الأقدمين تصور الأدباء أن هناك عالم سحرى خاص تأتى منه الأحلام .. عالم لا ينتمى لعالمنا الملموس ..كل شىء فيه مباح .. ما يشغلك + عقدك الشخصية التى لم تفصح بها لأحد أبدا + خبرات حياتك اليومية هى المواد الخام التى يصيغها عقلك الباطن فى مصنع ذلك العالم السحرى ليخرج فى النهاية بشريط يشبه شريط السينما يتم عرضه أثناء نومك لتشاهد ما يشبه فيلم عالى الجودة فنية .. يميل للمواربة فى السرد .. البطل الأساسى فيه هو أنت ..

ربما اذا كنت عالى المزاج تجد الفيلم كوميديا .. اذا كنت محبطا ستجده تراجيديا .. اما اذا كنت متقل العيار فى الأكل أو نمت من غير غطاء
ستجده ينتمى للمدرسة السريالية فى السينما حيث الهلوسة والعبث واللامعقول هم اسم اللعبة

ستجد نفسك طائرا ومعك جيفارا يتعلق ببنطلونك بينما تحلق خالتك خلفك ويغنى الملك ريتشارد قلب الأسد ليسليك.. ستجد أى حاجة وكل حاجة..
واذا كنت رائق المزاج وحاولت تعرف تفسير الحلم ستنجح فى هذا

فالعقل الباطن لا يلهو معك .. ومصنع العالم السحرى مش فاتحينه عشان يسليك

كل شىء فى الحلم وله تفسيره ومنطقيته بس اللى يفهم بقى

المشكلة تكمن فى هؤلاء الذين يريدون للعالم السحرى أن يغزو حياتهم

نحن يا سادة نعيش فى عالم غبى .. عالم قذر ..قبيح ..محدووووووووود

الجسد فى الواقع هو جسد فعلا .. واذا أردت أن تفهمه فستجد شرحا مستفيضا لتشريح الجسد وعلم وظائف الأعضاء والجهاز العصبى السيمبثاوى وكل الكلام دة

لكن الجسد فى الحلم مش جسد .. حاول فى الحلم الجاى انك تركز فى شكلك فى الحلم بيبقى عامل ازاى .. مش بيكون انت أوى..
بتكون أشبه بفكرة مبهمة عنك .. من غير تفاصيل مرهقة .. بتكون أشبه باالى انت عارفه عن نفسك .. عن روحك الداخلية .. مش عن جسدك اللى انت بتلمسه وانت صاحى..

لو أردت فهم جسدك فى الحلم مش هاينفعك كتاب التشريح .. هينفعك أكتر كتاب شعر ..

حلمى من زمان أن العالم السحرى اللى جوة كل واحد فينا يطغى على العالم المحدود اللى احنا عايشينه .. عايز نبقى أفكار .. نبقى هالات .. نبقى نور

..

نفسى نتخلص من تفاصيل الواقع اللى مالهاش لازمة ونتطلع لعالم أسمى .. أجمل .. هنشوف الدنيا بشكل تانى خالص

اهدأ بالا

اهدأ بالا يا من طافت روحه وحلقت :. مات الزمان ومرت اللحظات وتفرقت

أهل تدرى بعد من أنت أو ما :. أم مازلت تملك نفسا تحترق حتى تمزقت

مازلت أهوى وأعشق طالما فى الكون :. حياة وإن الدموع فى مقلتى تحجرت

مازلت أرى فى النسيم ألحانا وفى البحور :. أمالا لا أدرى بعد إن كانت تحققت

جزء من كتاب مدار الحكماء

وبينما كان الحكيم سائرا يتسامر مع تلميذه اذ اقترب منه رجل أشعث الشعر مغبره ولمس جلبابه من الوراء, فالتفت الحكيم اليه ببطء..بادره الرجل بالسؤال

-"هل الألم مطلوب للروح كى تسمو؟"

ابتسم الحكيم ابتسامته المحبوبة وقال

-"الحق الذى أراه هو كالتالى: الألم هو مفتاح الوصول إلى السمو..ألا يزيد الحريق الذهب توهجا ويزيد الماس النقى تلألأ؟"

أجابه الرجل:

-"ولكن الحريق يحيل الخشب إلى رماد"

قال الحكيم:

-"الأرواح أيضا أنواع..منها ما يصفو بالألم..ومنها ما يحترق"

صدقت أيها الحكيم الصالح

Thursday, June 3, 2010

فى انتظار الحقيقة

شرعت أدندن بلحن قديم سمعته يوما, ربما بالأمس حين غربت الشمس وجاء المساء بظلامه المحبب للنفس, وربما منذ عشرات السنين حين كنت مازلت طفلا لا يملك أحلاما أو طموحات ترهق الذهن من التفكير..شرعت أصدر أنغاما من شفتى..أنغاما ذكرتنى بعوالم الحلم القديم والنشوة الأزلية...نفس النشوة التى استبدت بآدم فجعلته يذوق التفاحة رغم إنه لم يكن يحب التفاح كثيرا..نفس نشوة الحمامة التى أطلقها نوح فى الهواء خارج الفلك لمعرفة الحقيقة...نفس نشوة بطرس فى لحظة التجلى الأعظم للمسيح...النشوة الحارقة الحريفة..

-ماذا تنتظر حتى الأن؟

انتظر؟ ماذا انتظر؟ ياله من سؤال رهيب يبعث الرجفة..أنا انتظر حتى أفهم..حتى أدرك..حتى أشعر بالوجود وحتى يشعر بى الوجود
ماذا انتظر؟ انتظر هطول الأمطار وشروق الشمس..انتظر خسوف القمر واخضرار الزرع..انتظر الموجة البعيدة حتى تصطدم بالصخرة التى أقف فوقها...انتظر انكماش المون وانفجار النجوم..

-لماذا لا تحيا؟ لماذا لا تموت؟

أنا لا أحيا انتظارا..لا أموت انتظارا..لقد انتظرنى الوجود مئات السنين, وهاأنا .. لا أملك ما أقدمه سوى وميض من الظلام الخانق..سوى مئات من الصفحات المليئة بكلام يصعب فهمه حتى على نفسى..
أنا فى انتظار ركب الحياة المقدسة..فى انتظار الجنون..فى انتظار الطيور المهاجرة حتى تحملنى معها..أطوف العالم وأرى..ربما كنت مخطئا..ربما كنت واهما حالما..لكن -صدقنى- لا أملك سوى الانتظار

14/12/2001